22 ربيع الثاني 1439 الموافق 2018.01.09
الطب الشخصي هو توظيف الأساليب الجينية والجزيئية الجديدة من أجل "تطبيق خطط منخفضة التكلفة فردية أو مخصصة لأغراض تشخيص الأمراض وتقييمها وعلاجها" (1 و 2). وسوف تشمل ممارسة الطب الشخصي في المستقبل استخدام التركيبة الجينية للمريض لتقييم عوامل الخطر المتعلقة بالأمراض، ومدى انتشار المرض، واختيار العلاج المناسب. وفي الوقت الحاضر، تعتبر ممارسة حفظ السجلات الطبية الرقمية إحدى التقنيات الجديدة التي ستساعد على تأسيس مجال الطب الشخصي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المجال الذي يرجح أن يحقق تقدماً قوياً في الطب الشخصي هو علم الصيدلة الجيني ويشير ذلك إلى استخدام جينوم الشخص لتحديد الدواء المناسب بالإضافة إلى نظام التقديم المناسب لتحقيق أقصى قدر من التأثير العلاجي.
على الرغم من أن التواصل بين الأطباء والمرضى في الماضي أدى إلى نشوء درجة ما من الطب الشخصي، إلا أننا نشهد الآن تحولاً من الطب التفاعلي إلى الطب الشخصي الذي سيكون دقيقًا للغاية في التنبؤ بالمرض واحتياجات المريض؛ ومخصصاً حسب حالة الفرد؛ كما سيتسم بطبيعة وقائية لكونه سيؤدي إلى التشخيص المبكر. وقد جعلت التقنيات الجديدة والانتهاء من مشروع الجينوم البشري الأمر ممكنًا.
بدلاً من استخدام نفس الدواء لجميع المرضى الذين يعانون من حالة طبية معينة، سوف يركز الأطباء على تصميم الأدوية بناءً على التركيبة الجينية لكل مريض. ومن المتوقع، في المستقبل، أن يصبح سجل الجينوم الفردي الخاص بشخص ما جزءاً قياسياً من السجل الطبي للمريض. وسوف يستفيد الأطباء من المعلومات الجينية والنمطية الظاهرية لوضع خطة الرعاية الصحية للفرد باستخدام تقنيات مثل الاختبارات الجينية متعددة المجموعات للحصول على بيانات تفصيلية من خلية واحدة، والمعلوماتية الحيوية للمساعدة في الجانب الحسابي لبيانات مريض فردي، وتكنولوجيا النانو.
سوف يقود الجمع بين هذه المجالات والتكنولوجيا إلى الطب الشخصي، ليسمح لنا، ليس فقط بدراسة الجينومات الفردية، ولكن أيضا بدارسة الآلاف من الأشكال المتعددة للنيوكليوتيد الفردي البشري (SNPs) (3). وسوف تنمي المعلوماتية الحيوية أدوات تحليلية جديدة تسمح بتحليل هذه البيانات، وسوف يساعد ذلك على تنمية فهمنا لعوامل الخطر الجينية الكامنة التي يمكن أن تسهم في الأمراض الشائعة. وسوف تتحقق هذه التطورات بالتزامن مع الاختبارات الجينية الجديدة التي ستساعد على التنبؤ المبكر والدقيق لقابلية التعرض للمرض بالإضافة إلى تحسين التشخيص التنبؤي والاستجابة الفردية لعلاجات محددة. ويتضح هذا بالفعل في العلاجات الشخصية للسرطان، والتي تشكل جزءاً من الممارسة الطبية الحالية (4). ويعتبر خير مثال على ذلك العقار المتداول تجارياً تحت اسم تارسيفا (Tarceva) ، والذي يتضمن اختباراً تشخيصياً تكميلياً جينياً، مما يجعله نموذجاً مثالياً لاستخدام علم الصيدلة الجيني. وقد تم تطوير هذا الاختبار بعد اكتشاف وجود طفرة معينة في الجين الخاص بمستقبلات عامل نمو البشرة تزيد من استجابة المرضى لعقار تارسيفا. وتقوم شركة Genzyme Genetics حاليًا بالتسويق التجاري لمجموعة تشخيص جيني (5 و6).
تعتبر تكنولوجيا النانو واحدة من التقنيات الأخرى التي ستعلب دوراً حيوياً في مستقبل الطب الشخصي. ويجري بالفعل استخدام تكنولوجيا النانو في العلاج الشخصي لسرطان الثدي والبروستاتا. وتوفر هذه التكنولوجيا فائدتين مهمتين للطب الشخصي وهي القياس الفوري لما يصل إلى 2500 بروتين من قطرة دم واحدة، وإمكانية العمل كنظام تقديم لكميات ضئيلة من الأدوية في العلاج الشخصي للسرطان. وسوف تساعد هذه التكنولوجيا، في المستقبل، على تطوير اختبارات فردية لتقييم بروتينات متعددة لعضو معين والتي تشكل مؤشرات على صحة المريض. وتقوم العديد من الشركات بالفعل بإجراء البحوث والتطوير لاختبارات مؤشرات حيوية تشخيصية منخفضة التكلفة تجارياً والتي يمكنها تقييم فعالية العقاقير في الأفراد (7).
يبقى السؤال المطروح الآن: كيف سنقوم بتحليل ذلك الكم الهائل من البيانات التي سيتم الحصول عليها من هذه الاختبارات الجينية وتكنولوجيا النانو وعلم الصيدلة الجيني؟ هذا هو المجال الذي ستعمل فيه التقنيات الناشئة الجديدة للمعلوماتية الحيوية والسجلات الصحية الرقمية على تيسير تطبيق الطب الشخصي. وقد أثبتت المعلوماتية الحيوية بالفعل فائدتها أثناء التحليل الحسابي في مشروع الجينوم البشري. وسوف تساعد هذه التكنولوجيا أيضاً، في المستقبل، على تحليل ومقارنة البيانات التي تم جمعها من فرد ما مقابل قواعد البيانات الحالية للمعلومات التي تم جمعها سابقاً. وسوف تجعل السجلات الصحية الرقمية من مقارنة واختيار العلاج أمراً سهلاً في المستقبل، عندما سيكون الطب الشخصي هو القاعدة.
سوف تساعد تكنولوجيا المعلومات في تطوير أدوات رياضية متقدمة وبرمجيات حاسوبية، والتي سيكون لها دور محوري في الطب الشخصي. وسوف يتيح الجمع بين الأدوات الحاسوبية والمعلوماتية الحيوية للأطباء القدرة على التعامل بسهولة مع كميات كبيرة من البيانات المتوفرة بأبعاد مختلفة، وربط هذه البيانات في استنتاجات عملية. وسوف نتملك القدرة على مقارنة البيانات المأخوذة من مريض فردي بالبيانات الموجودة في ارتباطات النمط الجيني والنمط الظاهري الفردي المخزن في قواعد البيانات. وسوف يتيح هذا النوع من الطب الشخصي التنبؤي رؤى مفصلة.
إنها مسألة وقت فقط قبل أن تتمكن المزايا الواضحة التي تقدمها التقنيات الجديدة من مواجهة تحدي التغلب على بعض العوائق الحالية أمام الطب الشخصي. وسيؤدي ذلك، خلال العقد القادم، إلى تحويل مجال الطب الشخصي إلى ممارسة سريرية عملية. ورغم أن تخزين البيانات يمثل تحدياً، إلا أن تقنيات تكنولوجيا المعلومات الجديدة ينبغي أن تحل هذه المشكلة.
من خلال استخدام تكنولوجيا النانو والمعلوماتية الحيوية، وغيرها من أدوات الاختبار الجيني، سوف تصبح الرعاية الصحية مصممة بشكل مخصص لتناسب احتياجات الأفراد على أساس جيناتهم. وينبغي أن يكون مستقبل الممارسة السريرية هو ممارسة الطب الشخصي.
الدكتور عاطف بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن عيوني
أستاذ البيولوجيا الجزيئية الطبية والجينات المساعد
قسم الأحياء – كلية العلوم – جامعة تبوك
www.atifoyouni.com